عبد الصبور بدر
عبد الصبور بدر


عسل في الكوز

عبد الصبور بدر يكتب: أنتمي للفريق الثاني!

عبد الصبور بدر

الجمعة، 23 سبتمبر 2022 - 06:26 م

في طفولتنا كان هناك ولد واحد في النجع يمتلك "بسكلتة"، اشتراها له والده الذي يعمل في السعودية، "بسكلتة جميلة وجديدة تعكس أشعة الشمس في عيوننا المصابة بالرمد، وكلما استيقظنا من النوم نجلس أمام بيته ننتظره حتى يلعب بها، ونتفرج عليها.

 

وكنا ننقسم إلى فريقين؛ أولهما المقربون منه، وهؤلاء يحظون بدفعها من الخلف لمسافات طويلة -وهو جالس عليها– حتى تتعرق أبدانهم وتنقبض صدورهم من شدة اللهاث خلفه؛ بينما هو يضحك من فرط السعادة، ويستقبل الهواء المنعش الذي يملأ رئتيه، أما أفراد الفريق الثاني مغضوب عليهم وممنوعون بأمر الولد صاحب البسكلتة من مجرد لمسها.

 

وكان من حق الولد صاحب البسكلتة أن يطرد أي طفل من الفريق الأول إذا لاحظ أنه لا يقوم بواجبه بإتقان، ويضيف أي طفل من الفريق الثاني إذا توسم فيه القوة، وفي أحيان نادرة كان ينعم على أحدنا بركوبها لثوانٍ معدودة فيشعر أن الله راضٍ عنه؛ لأنه استجاب لدعوته المستحيلة.

 

حلمت بالـ"بسكلتة" طويلًا وأنا طفل صغير، ولكني لم أحصل عليها إلا في الصف الثالث الثانوي، وكانت "بسكلتة" مستعملة، تئن من الوجع في كل جزء منها، وتصدر أصواتها مزعجة إذا ما تحركت بها، وتتضاعف الأصوات عندما أحاول أن أسبق بها زملائي في رحلات الذهاب والعودة من وإلى المدرسة.

 

وبعد يومين فقط  من شرائها تعرض هيكلها للكسر، فأخذتها إلى السمكري ليلحمه؛ فصنع له جبيرة قبيحة، وكان مقعدها غير مريح على الإطلاق، "يبظ" من قماشته الحديد، يعني تقدر تقول إني كنت بقعد على خازوق وأعذب نفسي في كل مشوار، وفي طريق العودة أحملها على كتفي لأنها كانت تتعطل أكثر مما تعمل، ولا أمتلك المال لإصلاحها كل شوية والتانية، حتى أصدرت قرارًا بإحالتها للتقاعد ورميها في سقيفة البيت؛ لتموت من الإهمال يوما بعد آخر، ولا يشعر بوجودها أحد.

 

اليوم رأيت بسكلته يقودها طفل صغير في الشارع، فانحنيت ودفعتها من الخلف باستمتاع شديد؛ ذلك لأن الولد صاحب البسكلتة في النجع كان يبقيني دائمًا في الفريق الثاني، ولم يفكر أبدًا في تصعيدي للفريق الأول رغم قدرتي على "زقه" لأبعد مسافة يريديها.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة